سورة البقرة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


بدئت سورة البقرة بهذه الحروف الثلاثة، وهي تُقرأ حروفاً مفرّقة، لا لفظة واحدة، وفي القرآن عدة سور بدئت بحروف على هذ النحو، منها البقرة آل عمران مدنيّتان والباقي سور مكيّة.
وقد جاءت بدايات هذه السوَر على أنواع: منها ما هو حرف واحد مثل {ص. والقرآنِ ذي الذِكر}. {ق. والقرآن المجيد} {ن. والقلمِ وما يسطُرون}؛ ومنها ماهو حرفان، مثل {طه ما أنزلنا عليكَ القرآن لتشقى}. {يس والقرآنِ الحكيم}. {حم تنزويلُ الكتاب من اللهِ العزيزِ الحكيم}؛ ومنها ما هو ثلاثة أحرف أو اكثر مثل {الم} {المص} {كهيعص} و{حم عسق} إلخ.
وهذه الحروف أربعة عشر حرفاً، جمعها بعضهم في عبارة (نصٌّ حكيم قاطع له سر). والعلماء في تفسير معنى هذه الحروف فرقان: فريق يرى أنها مما استأثر الله بعلمه. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم المراد منها، فالله أعلم بمراده.
وفريق يقول: لا يجوز أن يرد في كتاب الله ما ليس مفهوماً للخلْق. وهؤلاء اختلفوا في تفسير هذه الحروف اختلافاً كثيرا. فبعضهم يقول إنها أسماء للسور التي بدئت بها؛ وبعضهم يعتبرها رموزاً لبعض أسماء الله تعالى أو صفاته، فالألف مثلاً اشارة إلى انه تعالى (أحد، أول، آخر، أبدي، أزلي)، واللام مثلا اشارة إلى انه (لطيف)، والميم إلى انه (ملك، مجيد، منان) إلخ..
اما الرأي الأشهر الذي اختاره المحققون فهو: انها حروف أنزلت للتنبيه على أن القرآن ليس إلا من هذه الحروف، وفي متناول المخاطَبين به من العرب، فهو يتحداهم أن يصوغوا من تلك الحروف مثله، وهم أمراء الكلام، واللغةُ لغتهم هم.
من هذه الحروف يصوغ البشر كلاما وشعرا، ومنها يجعل الله قرآنا معجزاً، فما أعظم الفرق بين صنع البشر وصنع الله!
{ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}.
ذلك: اسم اشارة للبعيد كنايةً عن الإجلال والرفعة، ولذا لم يقل سبحانه (هذا هو الكتاب). المعنى: هذا هو الكتاب الكامل، القرآن، الذي انزلناه على عبدنا، لا يرتاب في ذلك عاقل منصف، ولا في صدق ما اشتمل علهي من حقائق وأحكام. وقد جعلنا فيه الهداية الكاملة للَّذين يخافون الله ويعملون بطاعته، قد سمت نفوسهم فاهتدت إلى نور الحق والسعي في مرضاة الله. و{فيه} هنا لا تفيد الحصر، بل الشمول، لكنه ليس كتاب علم، بالمعنى الحديث، وانما هو كتاب كامل في الدين. أما {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ} فانها تعني: من شيء متعلق بالدين، لا بالعلوم الطبيعية التي يستجدّ منها كل عصر نصيب.
المتقون: جمع متقٍ، وهو المؤمن المطيع لأوامر الله. وأصلُ الاتقاء هو اتخاذ الوقاية التي تحجز عن الشر، فكأن المتقي يجعل امتثال أوامر الله حاجزاً واقيا بينه وبين العقاب الإلَهي، وهؤلاء المتقون هم الذين وصفهم الله تعالى بقوله: {الذين يؤمنون بالغيب...} الآيات 35.


الذين يصدّقون بما غاب عنهم علمُه، كذات الله تعالى وملائكته، والدار الآرة وما فيها من بعث ونشور، وحساب، وجنة ونار.
ويقيمون الصلاة: يؤدون الصلاة المفروضة علهيم خاشعين لله، وقلوبهم حاضرة لمراقبة خالقهم. واقامة الصلاة توفية حقوقها وإدامتها. وقد أمر الله تعالى باقامة الصلاة، وطلب أن تكون تامة وافية الشروط، فقال: {أَقِمِ الصلاة}، و{والمقيمين الصلاة}.. هذا يعني أنهم يوفونها حقها. وعندما ذم المنافقين قال: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4] وفي ذلك تنبيه على أن المصلّين كثير، والمقيمين قليل. وقد نوه القرآن كثيراً بالصلاة وحثّ على اقامتها في كثير من الآيات، لأثرها العظيم. في تهذيب النفوس والسموّ بها إلى الملكوت الأعلى. وسيأتي تفصيل ذلك في كثير من الآيات...
{وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} الرزق كل ما يُنتفع به من المال والثمار والحيوان وغيره. والإنفاق العطاء.. يعطون من أموالهم التي رزقهم إياها الله إلى المحتاجين من الفقراء والمساكين وذوي القربى واليتامى وأمثالهم. وكذلك ينفقون في سبيل الله للجهاد وفي الدفاع عن الوطن، ولبناء المساجد والمدارس والمستشفيات. ومساعدة كل مشروع فيه نفع للناس. فكما أن الله يرزقهم يجب عليهم أن ينفقوا، لأن الدنيا أخذ وعطاء. والواقع اليوم أن كثيراً من الناس قد بات همهم جمعَ المال وتكديسه، فأولئك ليسوا من المتقين. وآية الانفاق هنا أن يكون في وجه الخير ونفع الناس، اما على الترف والمباهاة وفي طريق السفه فإن الانفاق تبذير ممجوج بمقته الله، وعلى المسلمين أن يوقفوه ولو كان ذلك عن طريف العنف. ان أموال الله التي في يد المسلمين هي لكافّتهم بالخير، لا لقلتهم بالضلالة.
والمتقون هم الذين يؤمنون بالقرآن الذي أوحي اليك، وبما بينتَ لهم من الدين وما فيه من أحكام وحدود. والإنزال هنا هو الوحي من العليّ القدير. وكذلك يؤمنون بما أُنزل من قبلك على الرسل الكرام من التوراة والانجيل والزبور والصحف. وبها يمتاز الإسلام عن غيره ويفضُله. لأن المسلم الحق يؤمن بجميع الديانات السماوية وجميع الأوبياء والرسل.
{وبالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ} اليقين حقيقةُ العلم. أيقن الأمرَ وبالأمر، تحققه. والذين يصدّقون حق اليقين بأن هناك حياة أخرى بعد الموت، فهم يؤمنون بها ايماناً قاطعاً لا تردد فيه. صفات المؤمن الحق. الايمان بالغيب. مع التقوى. وإقامْ الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه. ثم السخاء بجزء من الرزق اعترافاً وشعوراً بالإخاء. وسعة الضمير لموكب الايمان العريق المتلاحق بالوحي، والشعور بآصرة القربى لكل مؤمن بنيّ صاحب راسلة، ثم اليقين باليوم الآخر بلا تأرجح في هذا اليقين.
الهدى: التوفيق والرشاد. والفلاح: الفوز والنجاة. إن الذين تقدمتم صفاتهم في التقوى والايمان بالغيب والعطاء وتصديق جميع الرسل والاديان السماوية واليقين بالآخرة هم المهتدون الظافرون برضى الله وهداه وأولئك هم أهل الفلاح والفوز والنجاة.
هذه صورة من ثلاثة صور استعرضها القرآن لثلاث فئات: الاولى التي تقدَّم وصفها هي جماعة المؤمنين، وقد وصفهم الله تعالى في آيتين. والثانية: الكافرون الجاحدون، وقد وصفهم تعالى أيضا في آيتين. والفئة الثالثة: المنافقون، وقد ذكرهم الله تعالى في ثلاث عشرة آية. بهذا يتبين لنا ان الناس أمام القرآن ثلاث طوائف تقدمت الطائفة المؤمنة.


المفردات:
الكُفر: ستر الشيء وتغطيته، ومن كفر فقد غطى الحقيقة وستر نعم الله عليه، وجحد الايمان.
والختم: الطبع، كأنما خُتم على قلوبهم فلا ينفذ اليها الإيمان.
والغشاوة: ما يغطى به الشيء.
ان هؤلاء الكافرين ميئوس منهم، سواء أخوّفتهم يا محمد أم لم تفعل، فهم لا يؤمنون. لقد أُغلقت قلوبهم وطُبع عليها ففي سمعهم ثِقَل وعلى أعينهم حجاب. وذلك ما فسدت به فطرتهم من أوهامهم الضالة، وقصور استعدادهم لادراك الحق. {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصّلت: 5]. اولئك هم الكافرون، لهم عذاب أليم. فلا يؤثّر فيهم موعظة ولا تذكير ولا يرجى تغيير حالهم، ولا أن يدخل الإيمان في قلوبهم.
هذه هي الصورة الطائفة الثانية، وقد بين الله أوصافها في كثير من آيات القرآن وعبر عنها بالكافرين، والفاسقين، والخاسرين، والضالين، والمجرمين.
والصورة الثالثة هي صورة المنافقين، الطائفة التي ظهرت في المدينة بعد الهجرة، وبعد أن تركز المسلمون وقويت شوكتهم، فضعفت هذه الطائفة عن المجاهرة بالكفر والعناد. لذلك ظلوا كافرين في قلوبهم وإن ظهروا بين المسلمين كالمسلمين: يقولون كلمة التوحيد ويصلّون كما يفعل المسلمون. لقد ظنّوا أنهم يخادعون الله ورسوله والمؤمنين، ومن ثمَ اتخذوا لأنفسهم وجهين. وما ابتُلي المسلمون في أي زمان ومكان بشّرِ من هذه الطائفة: انها تدبر المكائد، وتروّج الأكاذيب، وتنفث سموم الشر والفتن. وقد اهتم القرآن بالحديث عنهم، والتحذير منهم، حتى لا نكاد نجد سورة مدنية تخلو من ذكرهم، بل وقد نزلت فيهم سورة كاملة سميت باسمهِم (المنافقون).

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8